الأربعاء، 14 مايو 2008

لولا الأحلام


لولا الأحلام

نصحني صديقي اللدود بأن أرى الناس و الأشياء (من بره ) حتى أنفلت من نطاق التورط ، لم أقتنع بوجاهة فكرته في البداية حتى قمت بتنفيذها بالفعل ، كدت أنجح في ذلك تماما لولا (الأحلام ) المزمنة التي تطاردني فتعيدني لنفس الأماكن والأحداث .

شيء آخر كان يعكر صفو الانطلاق والرؤية البرانية ، وهو أوقات العودة الفعلية والالتقاء بنفس الأشخاص .

لكنني وجدت طريقة أخرى لعدم التورط من جديد في حياة لم أرغبها منذ البدء ، التعاطف الخارجي ، والفرار السريع .

علي أن أعترف أن محاولات خروجي المستمرة ، البعد والكلام من بره الحدث كانت قديمة ومتكررة ، أفضلها على الإطلاق هو السفر والإقامة الدائمة بعيدا جدا ، بعيدا بُعد مسافة الطائرة والأمكنة والأحداث والأشخاص الجدد ، وحتى اللهجة المختلفة ، ونمط الحياة المغاير تماما .

سأركب الطائرة للمرة الأولى ، وأتعرف على عشرات الأشخاص الجدد .
ستفاجئني وتسعدني "الكوفي شوب " كانت من أوائل الأشياء التي كتبت لك عنها ، أخبرتك عن العمالة الآسيوية فيها "هنود وفلبين " وقليل من الجنسيات العربية .

منذ الولوج الأول تفاجئني التحية وكأنني أدخل بيت صديق حميم ، يلاقيني بالشوق والترحاب ، ابتسامة تملأ الوجه ، ونبرات صافية مرحبة " hi mam" " good evening mam" الجميع يقومون بالتحية وكأنني ضيف شرف ، أنت أيضا سعدت بذلك حين حضرت إلى هنا للمرة الأولى _ في الإسكندرية . كنت ومازلت تصاب بالضيق الشديد من مطاردة الندل لنا حين نتمشى على الشاطئ كل يحاول إجبارنا على الجلوس في مقهاه .

" مقهى كولومبوس " كان مكاني المفضل في البداية ، بموقعه المرتفع بعدة سلالم رخامية ، وإطلالته الخارجية في الهواء ، على الشارع الرئيسي ، أحب متابعة السائرين في الشارع ، أشعر بالونس من رؤية الناس ، تمنيت كثيرا أن تكون معي لتشاركني تلك الجلسات ، خاصة في فبراير حيث الجو الربيعي والنسمات الجميلة ، الأضواء والألوان ، المحال والسائرين ، معظمهم يحمل الأكياس البلاستيكية الملونة تعبيرا عن ثقافة الـ" shopping " طابع المكان المميز .

هنا لن تكون للعباءات والأشمغة السيطرة على المشهد ، بل الوافدين " لبنانيون وسورييون ومصريون ، أمريكان وأجانب آخرون ، آسيويون " الملابس مودرن ، الوجوه باسمة ، والأحاديث ودية ، بعض الأيادي المتاشبكة ، والمساحات المكشوفة من الجسد كثيرة ومتنوعة .

" فرابتشينو " " كابتشينو " " موكا " " كافيه لاتيه " قائمة من أسماء المشروبات الغريبة ، تعرفت فيها على " الكابتشينو " فاخترته مباشرة ، الحديث طوال الوقت باللغة الإنجليزية ، أو " العربية الكويتية الآسيوية " التي لم أكن أفقه فيها شيئا فكنت أختار الإنجليزية ، أحمل طلبي وأعود لطاولتي في الخارج " thank you mam " ، أسعدني اللقب كثيرا ، ربما كان بشرة خير لاقتراب زواجي وحصولي على لقب " مدام " ، هذا اللقب الذي كان يمنحه لي البائعون في الأسواق الشعبية .

أصبحت أحمله رسميا الآن ، لقبا آخر لم أحبه أبدا ، يناديني به السائق الصعيدي " محمد " وحارس السكن " عادل " ، " الأبلة جيهان " ، لكنني أجد أهمية الحفاظ عليه ، للإبقاء على بعض الحدود الهامة في التعامل .

إذن صحيح

" للغربة منطقها الخاص ، وقوانينها أيضا "

الأبلة جيهان
السالمية / الكويت





هناك تعليق واحد:

البوهي يقول...

ربما لو لو سمحنا لانفسنا ان ننفلت للإنتعتاق حول الذات ، لاستطعنا ان نصنع لانفسنا آلات زمنية ، وأخرى مكانية ، نسافر من خلالها لذواتنا ، نتسرب عبر فوهات الاوردة ، ونمارس التزلج بأحشائنا ، فنرى العالم من حولنا أرحب ، واكثر اتساعاً ، فننخرط بين تلافيف العقل ، ندخل من هنا ونخرج من هناك ، نقرأ كل الطلاسم المحفورة على جدرانه ، ونتلمس الرسومات المبهرة ، ونفك زخم الأحرف المتشابكة من أفعالنا الماضية المدخرة بحصالات الذاكرة ، فنرتمي فوق عباب السماء في بيت من حديد ، نشعر بلذة التجربة ، ونحتسي العصائر ، والبيبسي ، بعد وجبة الدجاج او مكبوس اللحم ، ونحن نتامل من النافذة الضيقة السحب العالقة بالأجواء ، وربما نتأمل القادم من مستقبل جديد سيبدأ بعد سويعات قلائل ، او ربما نفكر في احتمال الموت بلحظة ارتطام الطائرة بالأرض ، كل هذه اللحظات قد تتفرع من ذواتنا الحية ، التي يشعر فيها كل عضو بشري بشعوره الخاص ، فاللعين شعور ، وللأنف شعور ، وو للأذن شعور ، وفي النهاية تتجمهر المشاعر ، فنعبر عنها مجتمعة ، بكلمة تنطلق من افواهنا كقذيفة مدفع فارغة ، أو تنهيدة نجذبها من عمق الأزمان الغابرة ، أو حركات لاإرادية نطلقها بطقطقة الأصابع ، او هز الأقدام لاعلى واسفل ، أو حتى استعمال دورة المياة دون الحاجة لذلك ، فقط ننظر لوجوهنا في تلك المرآة الصغيرة ، ونقذف جبهتنا ببعض الماء ، ونعود نجذب حزام الامان الذي يخدعنا به كابتن الطائرة ، بانه من الممكن ان يكون سبب نجاتنا من الموت ، اسمحوا لي أن أضحك في هذه اللحظة التي تستوجب البكاء ، لأن النهايات السوداء احياناً تستوجب الضحك ...
تصيح المضيفة بان أقلع عن التدخين ، أعتذر لها بالطبع ، وانا حانق ، فاعود إلى مقهى (المتبولي)بشارع الجلاء بدمياط ، وكيف انني كنت أستلذ بكركرة الشيشة مع فنجان قهوتي الصباحية ، تطن الكركرة في أذني ، وطعم البن (المحوج)يستفز لساني ، وصوت (الضومينو)، وفرقعة كروت (الكوتشينة)، وانفجار أغطية زجاجات المياة الغازية ، وصوت التلفاز المرتفع بصيحات معلق مبارة الاهلى والزمالك ، وهاااااااااا جوووووووول

وصلت الطائرة

وها ان اليوم أقرا هذا النص لاعود اتذكر هذا الرجل الذي تركته منذ سبع سنوات ، يتجول داخلي ، عبر آلة الزمن ، التي اخطات كل الحسابات ، فجعلتني أهاجر فجري ، وبحري ، وطائراتي الورقية ، ورائحة الخشب المطحون ، و(تخبيط )الجواكيش ، و ..

محمد سامي البوهي

الكويت - حولي