السبت، 31 مايو 2008

وكأن

و كأن.......!!


!! Apollo : There will be no re-match
!!Rocky : There will be no re-match

تذكرت هذه اللقطة من فيلم (روكي) وأنا جالس في مطار القاهرة في انتظار النداء لركاب الطائرة المتجهة للكويت. كان قد مضى على وجودي في مصر قرابة العام بعد رحلة الغربة الثانية التي امتدت أحد عشر عاما أشبه ما تكون بجولات مباراة ملاكمة تخرج منها مملوءا بالكدمات والجروح حتى وإن خرجت منتصرا (أو صور لك). أعوام الغربة تلك كانت مليئة بأحداث غيرت كثيرا في رؤيتي لنفسي وما حولي متخطية ما هو خاص إلي العام حتى تماست مع رؤيتي للوجود كافة و في نهايتها استشعرت اكتمال التجربة ، وأن استمرارها لن يضيف الجديد في أي اتجاه.. ببساطة شعرت أنني ألعب جولتي الأخيرة التي لست بحاجة إلى خوض أخرى بعدها وأن الأوان قد آن للعودة.

فكرة العودة كانت مقترنة في جانب كبير منها بما تركته قبل رحيلي..... المنصورة بسحرها الخاص الذي لا يستشعره إلا من يعيش فيها ..... ذكريات كلية الطب... تجمع الأصدقاء عند مبنى المحافظة و سهرات فندق القاهرة و النادي اليوناني.....قصص الحب الغارقة في الرومانسية... البيت الكبير (بيت جدتي) حيث تجتمع العائلة كلها طوال شهور الصيف... مستشفى الجامعة بعد التخرج... خطوات (عمر) الأولى في حديقة جزيرة الورد.... السفر للقاهرة كل خميس للقاء أصدقاء "الجريون" أو الكاب دور اذا ما كنت مفلسا..... مهرجان المسرح التجريبي.... قائمة لا تنتهي!


!!
Home is no longer there

جملة قالها صديق لي (محذرا) عندما عاد زائرا بعد غياب عشرون عاما. جملة استشعرت هول حقيقتها عندما حاولت التجول في شوارع المنصورة.
"توريل" الجميلة؛ ببيوتها و ناسها، اختفت وحلت محلها تكوينات خرسانية شديدة القبح دون أي تناسق في الشكل أو الحجم مع الشوارع الضيقة التي كانت يوما وادعة و رحبة حتى انها تشعرك بالامتنان لانك تمشي عليها محفوفا بظل الاشجار على جانبي الطريق. فيلا حسن الإمام (المخرج) تحاول الصمود بطرازها القديم و اطلال حديقتها امام القبح المستشري حولها و الذي أحال سورها الخارجي لمقلب نفايات.

أهل توريل الذين كان تميزهم ورقيهم نابعا من مكانتهم الاجتماعية في مجالات شتى كالتعليم والقضاء والطب لم أجدهم !! مات من مات و رحل من رحل و قبع في بيته من ليس له خيار آخر في مواجهة واقع جديد تسيدت فيه طبقة طفيلية الحي بأكمله جالبة معها أخلاقيات و لغة وممارسات لم تكن يوما موجودة. ليس في الأمر طبقية كما قد يظن البعض. فالتغيير الذي حدث في (توريل) حدث في أحياء المنصورة كلها بدرجات متفاوتة. فقط التباين أوضح في توريل لتميز ما، كان موجودا.

إدراك تغير الواقع عن الصورة الذهنية التى عدت بها عن الوطن استتبع التمهل و إعطاء مزيد من الوقت لمشاهدة الواقع الجديد و محاولة فهم مفرداتة لعلي أستطيع التعامل معه. عام كامل و أنا أحاول فهم ما يجري حتى وصلت إلي ما سميته نظرية "و كأن"

المبنى من الخارج مكتوب عليه مستشفى جامعة المنصورة.... تدخل فتجد من يلبسون البالطو الأبيض ويضعون السماعات حول رقابهم، وآخرين ينامون على أسرّة يلتف حولها أقرباء لهم جاءوهم بالموز والبرتقال من بائع نصب نصبته على سور المستشفى الخارجي و لعلك تكون محظوظا فتجد سيدة تلبس بالطو استحال لونه من الأبيض إلي الرمادي لطول عهده دون غسيل !! في نهاية الأمر تظن أنك في مستشفى. فإذا راقبت ما يحدث لفترة طويلة نوعا، ستكتشف أنه لا الأطباء يمرون على المرضى ولا المرضى يتلقون علاجا ذا قيمة إلا إذا اشتروه على نفقتهم، ولا الممرضة مهتمة بأي مما يحدث لانشغالها بإرضاع طفلتها التي جاءت بها إلى العمل........ و كأنها مستشفى !!

من الخارج تقرأ كلمة مدرسة و احيانا (النموذجية).. تدخل من الباب فتجد ساحة مليئة بأكياس الشيبسي و علب العصير الفارغة يتوسطها صاري على نهايتة علم باهت ممزق الأطراف و تكتشف أن عدد من يفترض أنهم طلبة خارج المدرسة يتجاوز بكثير من هم بالداخل... لا تفارق السيجارة يد أحد منهم... الزي و الطابور و الشنطة من الماضي الذي لم يعد موجودا.... ينتهي اليوم الدراسي قبل ان يبدأ فلا الطلبه يتوجهون الي الفصول ولا المدرسون يبالون بما يحدث .... و كأنها مدرسة !!

هكذا تشكلت في ذهني نظرية "و كأن" و التي انسحبت على كل شيء حتى وصلت بتراكم (كأنها و كأنه) الي ...... و كأنه وطن !!

هنا أدركت (بمرارة) أن ما هو قائم كأنه وطن….. والحق أنه لم يعد موجودا بقدر ما أنا حبيسه كفكرة وزمن مر، لا أمل في عودته..... فعدت الى غربتي مسلما بأنه:

There will be a re-match again & again

خالد جمال
الكويت
يونيو 2008

هناك تعليق واحد:

ابراهيم الكندري يقول...

دكتور، كلنا كأننا لسنا من هنا