الثلاثاء، 27 مايو 2008

ضد الغربة

أكتب لأنتقم! أم ضد "الغربة"!

كان من المفترض أن تكون تدوينتي الأولى عن فكرة "الغربة"، التي اقف منها موقف ضد. لكني فكرت أن ابدأ بالتعليق على تدوينة ياسر عن نجيب محفوظ.
لكني أحب بداية ان أوضح انني لا أفهم "الغربة"، ولا شحتفة المغتربين.
أفهم أن يعيش الإنسان في مكان يحبه. أو أن يحب المكان الذي يعيش فيه، وإلا فليصمت أو يرحل. قضيت طفولتي "مغتربا" إذا شئتم. في عمان والإمارات. وعدت إلى مصر في الثانية عشر من عمري. عدت مرة أخرى إلى مسقط في السادسة عشرة، ثم عدت للقاهرة وهكذا.ما بين المكانين. لسنوات.
أحن إلى بيتنا الأول في مسقط الذي أعود لأتأمله كلما زرت مسقط. ما زال هو كما هو. بيت صغير من طابق واحد محاط بحديقة مسورة. لكن شجرة النبق التي زرعتها في عام رحيلي من مسقط، تضخمت ، وأصبحت شجرة عملاقة، كسرت في نشأتها جزءا من سور البيت. كما ان البيت الذي كان ثالث ثلاثة بيوت في ذلك المكان، اصبح نقطة في محيط ، بيت بين بيوت عديدة ، لم أستطع الوصول إليه بسهولة من فرط ازدحام المنطقة بالبيوت والمحال.
ردني إلى بلادي كما تقول الأغنية الوطنية على لسان فيروز. يمكن أن أقول ذلك وفي بطني معنيين: الأول هو بيت المنصورة الذي ولدت فيه والذي هدم مؤخرا وتحول لبناية عملاقة في شارع طلعت حرب بتوريل، أو أن أعود إلى بيت مسقط الذي نشأت فيه واكتسبت الوعي وأنا ادورفيه، واذرع المساحة بين غرفتي والحديقة، اقرأ وأحلم، وافكر في الكون الواسع من حولي الذي يفيض بالجبال، وبالوديان. وأناقش فكرة خلق العالم في ذهني، بعد دروس الدين الأولى، مندهشا من هذه الفكرة العملاقة.
وأنتظر عطلة نهاية الأسبوع حيث تذهب عوائلنا للشاطيء، فأعتزل الجميع واسير لوحدي على امتداد الشاطيء، بلا نهاية، إلى يميني البحر (مياه المحيط)، وإلى يساري الجبل، وعلى الرمال اقتفي آثار الزواحف والثعالب، وأمامي افق لا أعرف كيف ابلغه. ضاربا عرض الحائط بكل شيء، بالأصدقاء وباستنكار أبي الذي سيظل يعنف أمي على "ابنها المنعزل" الذي لا يحب الانخراط اجتماعيا مع الجموع.
في كل مدينة زرتها أسرعت بعمل مجتمع صغير من العلاقات والأماكن التي اتردد عليها بانتظام: مقهى أثير، مكتبة، مول، وفي كل مكان يقترن اسمي بمقهاي الأثير ذاك.. حتى في الزيارات التي لم تتعد شهرا مثل سراييفو او ألمانيا كنت أجلس يوميا على مقهى أثير ولا اغيره، طبعا بعد جولة واسعة على عشرات المقاهي إلى أن أستريح إلى واحد منها. باريس هي المدينة التي لم استطع أن أستقر فيها على مقهى بعينه، لأنني كلما زرت مقهى أعجبني، كما أن مقاهي باريس أكثر من أن تكفيها الأسابيع الثلاثة التي قضيتها فيها.
ربما أن نشاتي بعيدا عن مصر جعلتني دائما أشعر انني بلا مكان. ولعل هذا ما جعلني ايضا أبدو قصيا، نافرا، أنتمي لعزلتي اكثر من انتمائي لمجموعة، مهما بدوت منخرطا واجتماعيا.
وحتى هذه اللحظة لا أملك بيتا. في القاهرة أعيش في بيت مستأجر، وهنا أيضا. والبيت الوحيد الذي كنت أتصوره الملاذ الأخير، وهو بيت المنصورة قد اصبح أثرا لا وجود له سوى في الذاكرة.
لكن هذه الأمور ليست مريرة كما يحب البعض أن يتصوروا، ولا تجعلني أشعر بأنني مقطوع من شجرة أو بلا وطن. بالعكس. مثلي مثل غيري أحب ما يحبه الجميع من ذلك الوطن، وانتمي إلى ما ينتمون.
لكنني ايضا أؤمن أن الوطن كما أتخيل ما يجب أن يكون عليه، بعيد تماما عن صورته الراهنة التي تشوهت إلى ابعد مدى.
لكل هذا وغيره، لا أفهم فكرة "الغربة"، ولا منطقها المرير. لا أستطيع أن أكره الأماكن التي أعيش فيها لأنني أعرف أن مقابل الكثير مما قد ينفرني فيها هناك أماكن يمكنني أن أتآلف معها، ينطبق هذا على المكان الذي اعيش فيه الآن وهنا، كما ينطبق حتى على أكثر الأماكن التي عشت فيها حميمية مثل القاهرة، والمنصورة من قبلها.
وهكذا كان وطني هو تلك الأماكن القليلة الصغيرة التي تتيح لي حيزا يسمح لي أن أقرأ وأتامل وأحلم، وأكتب، واتناول القهوة. أينما وجدت هذه المساحات الصغيرة فأنا في وطني. وأينما ضن عليَّ مكان بمثل هذا الحيز فأنا غريب.
أما عنوان التدوينة فهو يخص فكرة أخرى تعليقا على تدوينة ياسر عن نجيب محفوظ لعلني سأعود إليها في اقرب فرصة.
إبراهيم فرغلي

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

طب انتم عندكم سبب لتشعرون بالغربة
لماذا اتنفسها وانا فى" بلدى"